الخميس، 7 يناير 2010

القوامــــة


القوامة
مفهوم القوامة قائم على أساس شرعي يستند إلى الآية الكريمة " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصّالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليًّا كبيرًا " (النساء34) ، ولذلك علينا الانطلاق أساسًا عند الحديث عن القوامة من الآية الكريمة بعد الإعمال فيها فهمًا وإدراكًا.
ولكي نحسن إدراك الآية الكريمة يتوجب علينا بداية أن نحسن قراءتها ضمن السياق القرآني الذي وردت فيه، اعتمادًا على أن القرآن يفسّر بعضُه بعضًا، ثم نتبيّن الدلالات اللغوية فيها، لاسيّما الدلالات الخاصة بالمفردات ونوع الصيغ الواردة فيها، وذلك لكون اللغة إحدى الدعائم الأساسية للتفسير.
سورة النساء هي من السور المدنيّة التي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع، ابتدأت بالأمر المباشر بالتزام تقوى الله وتوحيد أصل النشأة البشرية، لتنتقل في الآية الثانية إلى تنظيم العلاقة الاقتصادية بين الناس ذكورًا وإناثًا، من مثل تحريم أكل أموال اليتامى(وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبًا) (النساء/2)، مرورًا بإعطاء النساء حقوقهن المالية، وحجب السفهاء عن أموالهم حتى يرشدوا ويحسنوا التصرف بها كسبًا وإنفاقًا، ومن ثم توزيع الميراث وتبيان الحصص التي يستحقها كل فرد انطلاقًا من نوع العلاقة بالمتوفى وعلى الجنس الذي ينتمي إليه، وهذا التقسيم يعتمد على إقرار نظام عادل تبعًا لحاجات كل فرد وطبيعة دوره ضمن النسيج الاجتماعي القائم في ذلك العصر والذي أقرّ الشرع بوجوده، فأعطى الذّكر مثل نصيب الأنثيين، نظرًا للتكاليف المطلوبة منه تجاه أفراد الأسرة ذاتها.
ويرشدنا الله عز وجل إلى ضرورة الالتزام بهذا التوزيع التكاملي والتفاوتي والتفاضلي ويوجهنا إلى ضرورة القناعة بنصيب كل فرد وحصته، وعدم تمني الاستئثار بنصيب أي طرف على الآخر، أو بحصة أكبر مما قد تحصل، وذلك في قوله تعالى:( ولا تتمنوا ما فضّل الله بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله…) (النساء/32)، وتحويل الجهد بدلاً من البكاء على الفرق المفقود إلى تنمية الحصة التي تحصّل عليها، فالله عز وجل يعلمنا بأنه قد فضّل البعض على الآخر في التوزيع وعلى كل فرد أن يسعى إلى تنمية هذا الرزق ضمن قدراته وإمكانياته، وضمن هذا السياق القرآني ذي الأساس الاقتصادي نصل إلى الآية الكريمة (الرجال قوامون على النساء بما فضل…) ليوضح بأن ما اكتسبه الرجال من حصص إضافية لم يتأتَ من رؤية منحازة لنوع على حساب نوع آخر، بل هو تخصيص معلّل بالقيام على أمور النساء ورعايتها، وسياق الآية ينادي: أيها الرجال لا تفرحوا بما قد اكتسبتم، فما هو إلا دخل إضافي يعينكم على الأعباء المترتبة عليكم، وذلك التكليف مرتبط من خلال الباء (بما) التي تفيد معنى السببية والتعليل بما فضل الله بعضكم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم، والنص القرآني يفيد بوضوح إلى أن التفضيل كائن في الحصة الإضافية خلال توزيع الميراث، ولا مجال للتأويل الفضفاض عند الحديث عن معنى التفضيل لأنه وارد صراحة في الآية قبل السابقة من آية القوامة " ولا تتمنوا ما فضّل الله بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" (النساء/32)، ويستمر النص القرآني في تبيان علّة التشريع السابق خاصة بلزوم إنفاق الرجال على النساء كون النساء صالحات قانتات حافظات للغيب، وهنا نرى القرآن يفسر بعضُه بعضًا.
وهكذا نرى أن السياق العام والتفصيلات الخاصة هي تنظيم اقتصادي للعلاقة بين الذكور والإناث ضمن المؤسسة الأسرية تكسّبًا من الميراث وترتيبًا للحقوق والواجبات.
إذا ما أدركنا دلالة النص القرآني ضمن سياقه الاقتصادي نعجب كل العجب من ذهاب البعض إلى الحديث عن اختلافات تكوينية بنائية نفسية سيكولوجية (عدا ما هو متفق عليه من تكوين بيولوجي خاص) حتى تصل بهم خيالاتهم ليصوروها كائنًا ضبابي التفكير، عاجزة عن تدبر أمورها، وعلى التوازي يكون الرجل مخلوقًا مكتمل القدرات والكفايات، اعتمادًا على الآية الكريمة، وذلك بتحميل لفظة (القوامة) ما لا تحتمل من دلالات لغوية! والتي هي بمعانيها المتعددة من العدل والتدبير والرعاية وعماد الأمر الخ… لا تغادر دلالة التنظيم الإداري، ومع أن هذه الدلالة اللغوية تستلزم كفايات ومهارات الإدارة الناجحة من فهم وتقبل وتخطيط ومثابرة، إلا أنها ليست حكرًا على الرجال دون النساء وإن كانت غالبة عليهم لأسباب تعود – غالبًا - إلى التنشئة الاجتماعية وأدوار التنميط الجنسي الذي يبدأ من مرحلة الطفولة حين تقسم الأدوار بين البنت والولد، ليصل إلى الاكتمال ضمن البناء القيميّ الاجتماعي العام( ).